
يقوم الاقتصاد في دول الخليج بنسبة كبيرة على اكتاف الشركات العائلية والشركات العائلية هي الشركات التي تملكها عائلة واحدة او مجموعة من العائلات ويتوارث افراد العائلة ادارة الشركات عبر الاجيال تماماً كما يتوارثون ملكيتها.
هذا النوع من الشركات بمثابة محرك كبير للاقتصادات ليس فقط في دول الخليج بل في امريكا واروبا
وكافة دول العالم فشركات مثل وول مارت الامريكية وفولكس فاجن الالمانية وسامسونج الكورية وتاتا الهندية هي شركات عائلية رائدة تستثمر بجانب المال تاريخ طويل من العلاقات وتغذي مجتمعاتها بألاف الوظائف وتقدم للعالم مئات الخدمات والمنتجات الناحجة وتقدر مساهمة الشركات العائلية في الناتج المحلي لدول مثل السعودية والإمارات بنحو 70%
تمتاز الشركات العائلية بالعديد من الميزات الخاصة منها مثلا سرعة اتخاذ القرار والمرونة العالية في التوافق مع ظروف لأن القرار لا يمر عبر العديد من المستويات الادارية. وتتميز بيئة العمل في هذه الشركات بالولاء الداخلي العميق، ويعمل الموظفون لسنوات طويلة. كما أنها تميل إلى التفكير بعيد المدى.
وكما اشرنا فإن هذه العائلات التي تملك هذه الشركات تتوارث الادارة من جيل الى جيل وهو ما يعني ان هذا النجاح المبهر للشركات العائلية قد يتحول الى عبء كبير ومعضلة صعبة لانه لا يوجد نظام يحكم خلافة القيادة في حال وفاة الشخص المفوض بالادارة او فقده القدرة على العمل. في هذا الموقف تحدث هزات كبيرة في الشركات العائلية وربما يصل الأمر الى انهيار هذه الشركات الناحجة بسبب ظهور الصراعات حول القيادة.
قصة نجاح تتحول إلى معضلة
الصورة اذا ليست وردية فالسرعة في اتخاذ القرار قد تتحول إلى استبداد بالرأي، والولاء قد يقود إلى تعيين بناء على العلاقات لا على الكفاءة، والتفكير بعيد المدى إلى مقاومة التغيير وعدم المرونة مع متطلبات السوق. وكثيرًا ما نرى شركة ناجحة في جيل الأول تبدأ بالانحسار في الجيل الثاني، ليس بسبب نقص الفرص، بل بسبب غياب نظام واضح للادارة ، وتحديد الأدوار والمسئوليات.
كيف تنقذ الحوكمة الشركات العائلية من الانهيار وتساعدها في استمرارية اعمالها.
دائما عندما نتحدث مع اصحاب شركات عائلية تكون الشكوى المباشرة ان الشركة التي كانت من انجح الشركات تحت ادارة الجيل الاول بدأت في التدهور مع انتقال القيادة الى الاجيال التالية يشتكون عدم القدرة على تحديد المسئوليات وعدم القدرة على تحديد من هو الشخص المخطئ وبالتالي غياب القدرة على محاسبته. الامور بدأت تتفلت مع عدم القدرة على تحديد مناطق الخلل.
يغيب على هؤلاء وعلى كثيرين ان نجاح الشركة في بدايتها ارتبط بشكل كبير بشخصية وقدرات مؤسسها لكن هذا لا يضمن استمراريتها بنفس النجاح في الاجيال المتعاقبة. ان استمرارية النجاح امر مرتبط بالانظمة والسياسات الداخلية وتفعيل كيانات رقابية ترصد الانحرافات وتعيد وضع الشركة في المسار الصحيح وهذا هو دور الحوكمة.
الحوكمة المؤسسية تتعدى كونها لجان أو تقارير رسمية بل هي طريقة تفكير. تعني أن القرار لا يُبنى على "ماذا يريد مالك الشركة"، بل على "ما يحتاجه المشروع؟". وتعني أن المرشح للوظيفة لا يقيم بناء على قرابته او علاقته بالعائلة، بل يقيم بناء على معايير مهنية دقيقة. فالحوكمة هي نظام يحمي الشركة من داخلها، قبل أن تحاول حمايتها من المنافسة الخارجية.
الحوكمة هي ما يجعل من الشركة العائلية مؤسسة حقيقية تقوم على معايير الكفاءة والشفافية وتتبني نظام للمسائلة والمحاسبة. وتضع إطارًا واضحًا للسلطة، فتفصل بين من يملك ومن لديه السلطة لاتخاذ القرار، وتحدد الحوكمة من يُحاسب من. وتُنشئ لجانًا للمراجعة، وتدعم الشفافية في التعاملات المالية، وتضمن أن كل موظف حتى لو كان من العائلة يُقيَّم بناءً على أدائه، وليس على علاقته.
وأحد أهم أدوار الحوكمة هو ضمان الاستمرارية من خلال خطة خلافة واضحة. اذ تفرض الحوكمة وضع هذه الخطة، واختيار الصف الثاني من القيادات بناءً على الكفاءة، وليس فقط على الترتيب في شجرة العائلة. هذا لا يعني إقصاء العائلة، بل يحميها من النزاعات التي قد تدمّر الشركة.
في النهاية، الحوكمة ليست عدو العائلة، بل هي اداة في يد العائلة تمكنها من تحويل قصة نجاح مؤقتة إلى نجاح دائم ومستمر، ولذلك فالاعتماد عل حوكمة الشركات العائلية قد يكون طوق النجاح لتلك الشركات لحمايتها من الانهيار.